الاثنين، 14 يناير 2013


تحليل:

 تجاهل السلطات النقدية لخواص سوق الصرف

أضعف سياساتها وقوّى سطوة السوق السوداء



الوطن- علي نزار الآغا


     يمكن للمراقب الدقيق لاتجاه تقلبات أسعار الصرف أمام الليرة خلال العامين الماضين أن يميز جملة من الخصائص النسبية لأسواق الصرف المحلية، تم تجاهلها بشكل كبير من الجهات المسؤولة عن السياسة النقدية، وهذا ما تبينه النتائج على أرض الواقع، حيث يمكن بسهولة برهنة غياب تلك الخواص عن إدراك السياسة النقدية، وفشلها في الاستفادة منها في ضبط تقلبات أسعار الصرف وتغطية المخاطر التي تطرحها.

وعن تلك الخواص فإن أسواق الصرف المحلية يمكن اعتبارها على درجة جيدة من السيولة، أي يمكن لمن يريد الشراء إتمام صفاته بسهولة «نسبية» في أغلب أوقات التداول نظراً لوجود باعة ومشترين جاهزين للتداول عند معظم الأسعار المتداولة، ولكن يجب أن نؤكد أن السيولة كانت تتغير من فترة لأخرى، وهذا مرتبط بدخول القنوات الرسمية على الخط، أما عند غيابها، فتنخفض السيولة وتحظى السوق السوداء بأغلب التداولات إلا أن السيولة هي خاصية نسبية لأسواق الصرف المحلية.
إلى جانب ذلك تتسم أسواق الصرف بخاصية العمق، وهي أكثر الخواص أهمية، وأكثرها ضرورة لنجاح سياسات التدخل الحكومية، حيث تقرر درجة استجابة السوق لأي تغير يحدث.
ويمكن القول إن أسواق الصرف المحلية عميقة نسبياً، نظراً لوجود عدد مهم من المتعاملين الراغبين في البيع أو الشراء لدى حدوث أي تغير في مستوى أسعار الصرف المتداولة، وعندما تتحرك الأسعار بدافع المضاربات إلى مستويات غير حقيقية، نلاحظ استجابة من جانب الطلب، حيث ينسحب الراغبون في الشراء تدريجياً، ولذلك يصبح العرض فائضاً، فسرعان ما تتحرك الأسعار باتجاه التصحيح، «أي تنخفض»، أي إن العمق النسبي للسوق يسمح لقوى العرض والطلب بالتدخل لضبط الأسعار.
وعند هذه النقطة يمكن الحديث بتفصيل أكثر للتوضيح بأن عوامل العرض والطلب هنا تتدخل ليس لإعادة الأسعار إلى المستويات المستهدفة اقتصادياً، ومن هنا تأتي ضرورة تدخل السلطات النقدية بأدوات مالية ونقدية لضبط التقلبات في أسعار الصرف ضمن السياق الاقتصادي المستهدف، أي بما لا يضر بالاقتصاد والتجارة، إلى جانب ضبط المخاطر التي تفرضها تلك التقلبات في النشاط الاقتصادي وحتى قيم المدخرات وثروات المواطنين.
ويمكن القول إن هذه الخصائص (السيولة والعمق) تساهم في ضبط (ذاتي) نوعاً ما لمستوى أسعار الصرف، مع تحرك مستويات العرض والطلب وفقاً لتغيرات الأسعار، ولكن هذا لا يكفي، فالسوق ليست منتظمة كما يراها الاقتصاديون الكلاسيكون، الذين يظنون أن السوق تعود للحالة المستقرة من تلقاء نفسها عندما تترك وحدها دون تدخل الحكومة، وأقلها التجارب في الثمانين عاماً الماضية التي بيّنت ضرورة تدخل الحكومة لضبط تحركات وتقلبات الأسعار في السياق السليم اقتصادياً، وتغطية المخاطر الناجمة عن تقلبات السوق.
ومع توافر تلك الخصائص النسبية في أي سوق صرف يصبح تطبيق الأدوات المالية والنقدية سهلاً وفرص نجاحها كبيرة في تقليص مستوى المخاطر وضبط التقلبات في السياق المستهدف، وهذا ما نفتقده في حالتنا، حيث إن التجربة على مدى عامين كشفت غياب الأدوات الصحيحة سلوك السياسة النقدية، نظراً لغياب المعلومات والمعرفة الدقيقة لدى القائمين على السياسة النقدية بوضع أسواق الصرف والحالة الاقتصادية الراهنة.
أما الأمر الأساسي الذي نتكل عليه في الاقتصاد هو تركز الطلب الحقيقي على الليرة السورية، فالأجور والنفقات ومختلف التداولات التجارية والتعاملات اليومية تتم بالليرة، وهذا ما يشكل جدار حماية لليرة، ولكن يجب على السياسة النقدية ألا تتكئ على هذه الحقيقة دون أن تحرك ساكناً، بل يجب أن تسعى لدعم هذه الحالة من خلال ضبط تقلبات أسعار الصرف وخلق مناخ مساعد لدعم الطلب الخارجي على الليرة بما يخلق توازناً في سعر الصرف، لأن غياب الحكومة عن دور فاعل في السوق يفتح باب المضاربات الحادة في السوق، وبالتالي تحويل مزايا السيولة والعمق لتجار السوق السوداء للاستفادة منها في خلق الأرباح، بدلاً من الاقتصاد وعلى حسابه، وهذا يتطلب تدخلاً علمياً سليماً للمصرف المركزي، يمكنه تفعيل أدوات ناجعة تضبط سوق الصرف ومخاطر تقلباته، ولا نعتقد أنه يمكن إدارة ذلك بالاعتماد على الحظ أي «تشليف» على غرار توقعات المنجمين الدارجة هذه الأيام.

الخميس، 3 يناير 2013


سماسرة المازوت!!


الوطن- علي نزار الآغا

الأحد، الثلاثاء، الخميس.. أيام لا يمكن لأي سائق سرفيس أو شاحنة في دمشق أن ينساها، فهي مواعيد وصول المازوت إلى الكازيات الحكومية في نهر عيشة وحاميش ومشروع دمر، وعليهم التسابق لحجز مكان قريب في الطابور تفادياً لخيبة الأمل بنفاد المازوت بالسعر الرسمي.
ولكن من لا يرغب الانتظار لساعات طويلة تحت وطأة خيبة الأمل المحتملة يمكنه التفاوض مع أشخاص ينتشرون قرب الكازية لشرائه بنحو أربعة أضعاف السعر الرسمي لليتر الواحد.. هؤلاء هم سماسرة المازوت.
ويطلق عليهم بعض السائقين «تجار المازوت» حيث أخبرنا أكثر من سائق أن هؤلاء السماسرة «أو التجار» يبيعون ليتر المازوت بين 90 و100 ليرة سورية.
وفي تفاصيل عملية السمسرة قال لنا سائق يعتبر نفسه زبوناً مدللاً لأحد التجار حيث يبيعه الليتر بـ70 ليرة، إن التجار يشترون الليتر من الكازية بأسعار تتراوح بين 40 و50 ليرة سورية، وذلك بالاتفاق مع عمال الكازية، وهم موظفون رسميون يتقاضون رواتب شهرية.
ولكن كيف؟
تقاطعت أحاديث السائقين المتعاملين مع هؤلاء السماسرة بأن التاجر يبني علاقة خاصة مع موظفي الكازية، ويتفق معهم على تأمين عشرات من الغالونات ذات السعات الكبيرة على أساس أنها لأشخاص ينتظرون دورهم منذ اليوم السابق، وهكذا تصل الغالونات معبأة بالمازوت للتاجر دون أن يكلف نفسه عناء الانتظار، ومن ثم تبدأ عمليات السمسرة التي تكون في أغلب الأحيان قرب الكازية، في حين يلتقي الزبائن المدللين في منزله، وحتى مع الأسعار الفلكية للسماسرة، إلا أنك تحتاج لجهد وأحياناً «واسطة» لاستجدائه ببيعك عدة ليترات بـ100 ليرة ما دمت من خارج دائرة زبائنه المضمونين، وذلك وفقاً لبعض الزبائن.
وعلى ما يبدو أن ظاهرة السمسرة هذه ليست عرضية أو محدودة النطاق، وإنما تنتشر أسماء لعشرات التجار في كل كازية، يسحبون نسبة مهمة من مخصصاتها.
ترى، ما رأي «سادكوب» في هذه الظاهرة، وهل هي على علم بها؟ وهل موظفيها ضمن دائرة الاستفادة..؟
أسئلة مشروعة تنتظر إجابات شافية لمواجهة عمليات السمسرة تلك، والتي لا تعكس سوى صورة واضحة للمستوى الذي وصل إليه الفساد والاتجار بلقمة عيش المواطنين، في سلسلة تبدأ بالموظف الذي يربح من التاجر، ثم التاجر الذي يضاعف رأسماله على حساب السائق، والذي يرفع أجور النقل بدوره لتحميل التكلفة على الحلقة الأضعف والأخيرة، وهي المواطن ذي الدخل المحدود.