الأربعاء، 27 مارس 2013


هدوء حذر يخيم على أسواق الصرف.. وعيون المضاربين معلقة على المركزي..

الآغا للأزمنة: تجاهل السلطات النقدية للسوق السوداء مهم..

 لكنه غير كافٍ


رغد البني


قال الباحث الاقتصادي المتخصص في أسواق المال علي نزار الآغا في تصريح خاص للأزمنة "إن الصفة الرئيسية التي تغلب المشهد العام لأسواق الصرف المحلية اليوم هي الهدوء الحذر، حيث يرتقب المتعاملون- وهم مضاربون في أغلبهم- أية أخبار سلبية تحفز موجة شراء مكثف جديدة ترفع سعر صرف الدولار الأمريكي إلى مستويات جديدة تتخطى القمم السابقة لبدء عمليات البيع وجني الأرباح.
إلا أن السوق منذ فترة لا تساعد المضاربين على نحو مهم في تحقيق هذا الهدف -والكلام للآغا- حيث اقتصرت العمليات السابقة على رفع الدولار من مستوى 93 ليرة إلى 98 كحد أقصى ولفترة قصيرة جداً، وتم عند هذا المستوى جني أرباح سريعة، نظراً لعدم استجابة السوق لأجواء الشراء في مقاومة واضحة لأية أخبار تم تدويرها خلال الأسابيع الماضية، أمام الأخبار الإيجابية المرتبطة باتفاقيات التسهيل الائتماني والوديعة من قبل إيران.
من جانب آخر كشف الآغا أن المتابعة الدقيقة والتحليلية لأسواق الصرف المحلية تبيّن أن التعاملات في السوق السوداء أصبحت مقتصرة على رهانات المضاربين بصورة رئيسية، في ظل تراجع الطلب التحوطي (شراء الدولار للحفاظ على القدرة الشرائية) وتراجع مستوى الطلب لأغراض التجارة الخارجية، وخاصة في نهاية العام الماضي وبداية العام الجديد إلى جانب اعتماد الحركة التجارية على اليورو بشكل رئيسي.
وبيّن الآغا أن عيون المضاربين اليوم معلقة على مصرف سورية المركزي والاتجاه الذي يقرره للتدخل في السوق، وعليه سوف يقررون شكل استراتيجياتهم في المضاربة.
ومن خلال مراجعة دور المركزي في سوق القطع منذ بداية الأزمة يؤكد الآغا أن قراراته في البداية كانت متخبطة تنقصها الفعالية، وخاصة تجربة المزادات وسوء تطبيقها وإدارتها، ومن ثم بدأ المركزي يجرب أكثر من نموذج ومقترح لضبط التقلبات الحادة في السوق، لكنها لم تنجح بشكل كامل (100%) في إيصال السوق إلى العتبة المستهدفة اقتصادياً، وهذا بسبب جملة من العوائق وقفت في طريق إدارة المركزي، أولها نقص المعلومات الحقيقية عن السوق وهذا ما يرفع درجة المخاطر في صناعة القرارات النقدية، إلى جانب ذلك لا يمكننا أن ننسى ظروف الأزمة الراهنة التي جعلت تنفيذ الأدوات النقدية في غاية الصعوبة، مثل عمليات السوق المفتوحة، والمقصود بها بيع سندات وأذونات الخزينة (خالية المخاطر) لامتصاص السيولة الباحثة عن ملجأ آمن في ظل الأزمة قبل اندفاعها إلى دهاليز السوق السوداء، إلى جانب ذلك ذكر الآغا انخفاض الجدوى الحقيقية من رفع أسعار الفائدة المصرفية على الإيداعات في سحب السيولة من السوق لتخفيف الضغط على سوق الصرف.. وغيرها من التحديات التي تقف في وجه السلطات المركزية.
وأكد الآغا أن المركزي بدوره تجاهل بعض الخواص التي تتمتع بها سوق الصرف بما يساعده في تحديد اتجاه التدخل وطبيعته لضبط التقلبات الحادة في أسعار الصرف.
وعن تلك الخواص بيّن الآغا أن أسواق الصرف المحلية تعتبر على درجة جيدة من السيولة، أي يمكن لمن يريد الشراء إتمام صفقاته بسهولة «نسبية» في أغلب أوقات التداول نظراً لوجود باعة ومشترين جاهزين للتداول عند معظم الأسعار المتداولة.
وأكد الآغا أن أسواق الصرف المحلية تتسم بخاصية العمق، وهي أكثر الخواص أهمية، وأكثرها ضرورة لنجاح سياسات التدخل الحكومية، كونها تقرر درجة استجابة السوق لأي تغير يحدث.
وبين الآغا أن أسواق الصرف تعتبر عميقة نسبياً، نظراً لوجود عدد مهم من المتعاملين الراغبين في البيع أو الشراء لدى حدوث أي تغير في مستوى أسعار الصرف المتداولة، وعندما تتحرك الأسعار بدافع المضاربات إلى مستويات غير حقيقية، نلاحظ استجابة من جانب الطلب، حيث ينسحب الراغبون في الشراء تدريجياً، ولذلك يصبح العرض فائضاً، فسرعان ما تتحرك الأسعار باتجاه التصحيح «أي تنخفض»، وبالتالي فإن العمق النسبي للسوق المحلية يسمح لقوى العرض والطلب بالتدخل لضبط الأسعار، وهذا ما يساعد المصرف المركزي في تدخله لضبط التقلبات في السوق، ويجعل تطبيق الأدوات النقدية أكثر جدوى.
وهكذا بيّن الآغا أن التحديات التي تواجه المركزي بسبب الأزمة الاستثنائية التي يمر بها البلد، إلى جانب القصور في أدائه وتجاهله لسمات ومميزات سوق الصرف، ساهمت في تعميق أزمة الصرف في مرحلة من المراحل، وهذا ما حصد نتائجه تجار العملة الصعبة في السوق السوداء بعد أن تدفقت السيولة إليهم لاستبدال الليرة بالدولار، قبل أن تبدي السوق من نوعاً من الاستقرار لعدة أشهر قد تتجاوز 30% من عمر أزمة الصرف، واليوم هناك عدة أمور تقف إلى جانب المركزي وتدعمه في ضبط السوق وأهمها مكونات العرض والطلب الحالية والتي أصبحت مقتصرة على المضاربين، وهذا ما يجب أن يأخذه المركزي بعين الاعتبار.
وكشف الآغا أن المتابعة لأداء المصرف المركزي خلال الفترة الماضية من جهة التعامل مع السوق السوداء تدل أنه يعتمد أسلوب تجاهل السوق وكأنها غير موجودة، وهذا ما عزز مشاعر القلق والحذر لدى المضاربين في السوق، ويساعد في إشاعة انطباع بأن السوق مستقرة عند المستويات الحالية، إلا أن الآغا يرى بهذه الخطوة أهمية كبيرة، لكنها غير كافية على المدى المتوسط والطويل، حيث يجب التدخل المدروس للمركزي خلال فترة التجاهل هذه لتحصين الليرة أمام المضاربات بشكل أكثر فعالية واستدامة، مشيراً إلى أن المصرف المركزي بهذا التجاهل "يضع رجله على الدرجة الأولى" في الاتجاه الصحيح لضبط سوق الصرف، على أن يستفيد من هذا الوقت في ترميم النقص في معلوماته وبياناته عن السوق والاقتصاد، وتطوير أسلوب الدراسة والتحليل وصناعة القرار، آخذين بعين الاعتبار جملة التحديات التي تواجهه.

تاريخ نشر المقال 23/3/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق