الاثنين، 11 فبراير 2013


من أزمة العقارات إلى "عقارات الأزمة"..


الوطن - علي نزار الآغا


لطالما تصدرت ظاهرة مقاومة السوق العقارية لأي انخفاض في الأسعار على مستوى التجارة أو الإيجارات قائمة أسباب أزمة الركود التي أصابت القطاع خلال السنوات القليلة الماضية.. الأمر الذي تغير اليوم وفقاً للظروف الاستثنائية التي فرضتها الأزمة الراهنة، والتي سببت تغيرات هيكلية في بنية الطلب في السوق العقارية، وخاصة الإيجارات السكنية، فاستجابت السوق بارتفاع سريع وحاد لقيم الإيجارات بعد فترة ركود نسبي عند المستويات التي فرضتها «فقاعة» 2003 مع توافد العراقيين إلى المدن السورية وما نتج عنه من انفجار في الطلب أدى إلى ارتفاع قيم الإيجارات بين الضعف والضعفين.
يعيدنا المشهد اليوم إلى طفرة 2003 من حيث وصول الطلب على الإيجارات السكنية إلى درجة الانفجار في المناطق الآمنة الأكثر استقطاباً للمهجرين، والتي لا تشكل أكثر من 50% من إجمالي عدد المساكن المعتادة (المشغولة والخالية) في سورية عام 2010، أي بواقع 2 مليون مسكن في كل من محافظة دمشق وطرطوس واللاذقية والسويداء إلى جانب حماة والحسكة والرقة وبعض مناطق ريف دمشق وغيرها، على حين يتركز الطلب الحقيقي بشكل أكبر في دمشق واللاذقية وطرطوس ثم السويداء التي لا تضم بمجملها أكثر من 24% من عدد المساكن المعتادة بواقع 1.1 مليون مسكن من أصل 4.13 ملايين مسكن معتاد في البلد، وذلك حسب الإحصائيات الرسمية، مع العلم بأن المساكن المعتادة تشكل نحو 99.7% من إجمالي المساكن.
ومع العلم بأن وسطي معدل خلو المساكن بحدود 10%، نكون أمام مجال يبدأ بـ110 ألف ويصل 200 ألف مسكن قابل للإيجار، مع الأخذ بالحسبان أن هذه الأرقام متفائلة جداً، نظراً لتعدد أسباب خلو المنازل، ولكن نظراً للظروف الراهنة يمكن اعتبار أن المنازل الخالية قابلة للإيجار الموسمي، على حين كان عدد المساكن قابلة للايجار يتراوح بين 300 و400 ألف مسكن في الظروف الطبيعية قبل الأزمة.
وهكذا نجد أن الطلب الحقيقي على الإيجارات قد تركز في 50-75% من المساكن القابلة للإيجار خلال العامين الماضيين، مع العلم بأن القدرة الاستيعابية الطبيعية (أسرة في كل منزل مع وسطي لعدد أفرادها 5.7 أفراد) تتراوح بين 627 ألفاً و1٫14مليون فرد، على حين لا تتعدى 2 مليون فرد على اعتبار 10 أفراد في كل منزل بسبب الظروف الاستثنائية، وبمقارنة هذه الأرقام من تقديرات أرقام المهجرين داخلياً نجد أن الطلب على الإيجار قد تضاعف في مناطق الاستقطاب،ما أدى ارتفاع قيم الإيجارات بين 20% و60% ترافق ذلك مع تعقيد في شروط التأجير من حيث الضمانات نظراً للصفة الطارئة لهذه الظاهرة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل قيم الإيجارات مفتوحة باتجاه الصعود إلى مستويات أعلى بكثير من الحالية، رغم أنها لا تقارن بمعدلات الارتفاع في طفرة 2003؟
الإجابة الاقتصادية تبقى رهينة التقديرات، لكن العقلانية في التقدير تفترض وجود سقف للأسعار، لأنها مرتبطة بالقدرة المالية للمواطن طالب الإيجار، ولو أخذنا مثالاً وسطياً يقوم على أساس دخل شهري20 ألف ليرة للمعيل في كل أسرة، يحصل عليه من عمل 160 ساعة شهرياً (8 ساعات عمل يومياً مضروبة بخمس أيام في الأسبوع) أي بمعدل 125 ليرة لكل ساعة عمل، وباعتبار وسطي الإيجار حالياً 12 ألف ليرة، سنجد أن المعيل يخصص 96 ساعة عمل شهرياً لسداد الإيجار الشهري، أي ما يعادل 60% من الدخل، وفي حال وجود معيلين في الأسرة تنخفض النسبة إلى 30%، وفي كلتا الحاليتين يعتبر الوضع المادي للموظفين في غاية الحرج، وهم الذين يشكلون النسبة الأكبر من طالبي الإيجارات السكنية المعتادة، الأمر الذي يقودنا الى التوقع بأن تكون قيم الإيجارات مسقوفة إلى حد ما بالمستويات الحالية، دون التفاؤل بعودتها إلى مستويات 2010، مع استثناء الشقق الفخمة والفلل التي لها سوقها ولها زبائنها في المناطق المعروفة، والتي لا يجوز تعميمها على حال السوق العقاري ككل، مع التذكير بالجانب الأخلاقي في الموضوع حيث تفرز الأزمة ثلة من تجار الأزمات الذين يستغلون حالة الطلب الاضطراري للسكن فيرفعون الأسعار إلى مستويات خرافية في ظل محدودية المعروض، ولكن هذه الحالة الطارئة ليست جديدة على السوق العقارية، وسرعان ما تزول مع الأزمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق