الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012


هل دخل الدولار الأمريكي سن اليأس؟


الكاتب: علي نزار الآغا |  تاريخ المقال: 2012-10-14


"لا يزال الدولار العملة العالمية الوحيدة، ولكن ما هو حقيقة اليوم لن يكون حقيقة للأبد، فالاقتصاد العالمي أصبح أكثر تعددية قطبية، والنظام المالي والنقدي الدولي سيصبح أكثر تعددية، وعاجلاً أم آجلاً، سيواجه الدولار الأميركي منافسة في المحيط الدولي".

هذا ما ختم به البروفسور باري إيكنغرين، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفونيا، نتائج ورقته البحثية، التي نشرها مؤخراً معهد "DWS" المتخصص بالقضايا المالية العالمية تحت عنوان "هل يقترب عصر هيمنة الدولار من النهاية"، أعاد من خلالها تأكيد طروحاته التي نشرها في كتابه، ميزة باهظة، في منتصف الـ2010.
 وفي مواجهة لاستفزازية أرقام مستجدات آفاق النمو العالمي الأخيرة، المنهمرة بلا حرج على مساحة الاقتصاد العالمي، المضطرب بغرابة، يعيد إيكنغرين ترتيب أفكاره في قالب صحفي لا تنقصه الاستفزازية، عبر صفحات الفايننشال تايمز البريطانية، التي عنونت يوم الإثنين الماضي "أيام الدولار كعملة احتياطي باتت معدودة".
 وفي جولة بانورامية حول اقتصاد العالم بمئة كلمة، استغرب إيكنغرين من الطبيعة الغريبة للمرحلة الرهنة، التي يكتنفها القلق حيال نقص السيولة الدولية، حيث كتب يستهل المقال الموقع باسمه “كما ضاعف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من تحذيراتهم حول آفاق النمو العالمي، واصلت البنوك المركزية إغراقها للأسواق بالسيولة،
 فالفيدرالي الأميركي بدأ جولته الثالثة من التسيير الكمي، والبنك المركزي الأوروبي مستمر بالشراء غير المحدودة لسندات الدول الأوروبية المتأزمة، كما خفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة أكثرمن مرة، وقلص متطلبات الاحتياطي استجابةً لتراجع مستوى النمو، قد يبدو وقتاً غريباً للقلق حيال نقص السيولة العالمية، لكن هذه المخاطر تلوح في الأفق، وإن لم تحدث شيئاً، فسوف تهدد عولمة القرن 21.
 وبالانتقال إلى صلب المقال، يفصّل إيكنغرين برهنته البحثية، موضحاً بأن أنظمة التداول والتجارة عبر العالم، والنظام المالي العالمي بحاجة إلى "تشحيم".
 وهذا لا يتم إلا بدعم السيولة الدولية عبر تأمين العرض الكافي من الأصول المالية الأكثر أمناً وسيولة سندات الدين السيادي، الأمر الذي وفرته سندات وأذونات الخزانة الأمركية خلال نصف القرن الماضي، معززةً الدور المهيمن للدولار على الاحتياطيات الدولية، وعمليات الائتمان والتقاص التجارية، بما يتجاوز حصة الولايات المتحدة من التجارة الدولية.
 التفاصيل الأكثر توضيحاً بقيت في صلب الورقة البحثية، حيث ذكر إيكنغرين أن حصة أميركا من التجارة الدولية اليوم تتحرك بين 25 و20% على حين كانت تتجاوز الـ50% بعد الحرب العالمية الثانية، مقابل ذلك فإن 85% من التعاملات عبر أسواق العالم تتم مقابل الدولار، ونحو 60% من الاحتياطيات الرسمية هي بالدولار، وأكثر من 66% من ديون الدول الخارجية و45% من أوراق الدين الدولية، مقيمة بالدولار.
 ولعل أبسط معالجة لهذه البيانات، كفيلة بنقل صورة واضحة عن مكامن الخطر، فالانكماش الدراماتيكي لحصة أميركا من التجارة الدولية، المتزامن مع صعود الدول النامية، ونمو أسواقها بما يفوق المعدلات الأميركية، جعلت الثقة بالدولار وقدرته على دعم السيولة الدولية، موضع شك.
 وما زاد الموقف حرجاً، أزمات السياسات المالية والنقدية الأميركية، المستعصية على أي شكل من أشكال الحل أو المعالجة.
 هذا "الباكج" من الأحداث، دفع باتجاه التفكير الجدي حول مستقبل الدولار، وقدرته على دعم السيولة الدولية، والبدائل الممكنة قبل وقوع الكارثة.
 وفي غمار البحث في سيناريوهات المستقبل، استبعد إيكنغرين الطروحات التي انتشرت على نطاق واسع، مثل أن يحل اليورو أو اليوان الصيني محل الدولار، في لعب الدور الدولي المطلوب، وذلك لعدة أسباب، منها اقتصادي مرتبط بمستوى تطور وعمق وسيولة أسواق المال، والتشريعات، وتركيبة النظم الاقتصادية، في الصين وأوروبا، ومنها ما هو سياسي.
 ولم يرق له ما نادى به البعض، بأن يقوم صندوق النقد الدولي بالمهمة، عبر دعم استخدام وحدة حقوق السحب الخاصة عوضاً عن الدولار.
 وتوصل إيكنغرين إلى أن السيناريو الأكثر منطقية يجب يقوم على أساس وقوف اليورو واليوان إلى جانب الدولار في تأمين السيولة.
 وحسم موقفه بختام مقاله حيث كتب: “الحل الوحيد، أن تقوم كل من أميركا وأوروبا والصين بتقاسم العبء، وبإمكانها أن تفعل ذلك عن طريق وضع تدابير لتعزيز ثقة المستثمرين في إصدارتها للديون السيادية، وفي كل الأحوال، هذا الحل، سياسي بقدر ما هو اقتصادي.

المصدر: صحيفة الوطن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق