الأربعاء، 21 نوفمبر 2012




الربح الاقتصادي.. 

«باسوورد» الواقع الحقيقي للشركات


الوطن- علي نزار الآغا   ا   تاريخ المقال 16 أيلول 2012


المكان: سوق دمشق للأوراق المالية.

الزمان: الأربعاء، 12 أيلول 2012.

... للجلسة الثانية على التوالي، تغلق سوق الأسهم دون تنفيذ أي صفقات، العرض كبير جداً، والطلب معدوم.. عوائد الأسهم متدنية في بعض الحالات، وسالبة في أغلبها..
تصريحات طنانة عن مستوى الأرباح الصافية ومعدلات العوائد... ولا توزيعات في المقابل «تجبر الخاطر»..
سؤال أغلب حملة الأسهم: «وضعنا أموالنا في تلك الشركات من أجل توليد الثروة، وواجب إدارة الشركات تأمين ذلك... واليوم في ظل الانخفاض الحاد لأسعار الأسهم أصبح سعر الشركة في السوق أقل من رأس المال، أي إن أموالنا تضيع أمام أعيننا؟»

من وجهة نظر مالية كلاسيكية يحمل هذا السؤال الكثير من الدقة، فمقاييس الأداء المشهورة مثل (حصة السهم من أرباح الشركة، التوزيعات النقدية، سعر السهم إلى حصته من الأرباح، عائد ربح السهم..) تدعم تخوف وقلق المستثمرين، لكنها تعجز على كشف ملابسات الربح الصافي وغياب التوزيعات وعلاقتها بالأداء الاقتصادي للشركة.
إن العادة «السيئة» التي يمارسها أغلب حملة الأسهم هي الاعتماد على تلك المؤشرات الكلاسيكية فقط، وبناء تقديرات وتقييمات على أساسها.
مع العلم أن تلك المقاييس تستخدم الربح المحاسبي (صافي ربح الشركة) الذي يتجاهل التكاليف «المخفية» مثل تكلفة الدين (فوائد السندات والأسهم الممتازة) والعائد الذي يتوقعه المساهمون لقاء توظيف أموالهم في الشركة، وهذه نقطة ضعف في غاية الأهمية يجب الانتباه إليها لدى تقييم أداء الشركة، وفتح المجال أمام التخمينات عن قصور التقييم.
ولكن، هل الأمر ينتهي هنا؟ علينا أن نقتنع بقصور المقاييس المالية التي اكتسبت شهرة بلا حدود في تقييم الأسهم، دفعت البعض للقول: إن مقاييس مثل حصة السهم من الأرباح والسعر إلى الربح.. مثلها مثل المقرمشات، يتسلى بها أغلب حملة الأسهم عبر العالم..؟
هذا ما يتكفل به الربح الاقتصادي أو كما يسمى باللغة الاقتصادية الدقيقة القيمة الاقتصادية المضافة ويرمز له اختصاراً بـ(الإيفا).
وقد اكتسب (الإيفا) شهرته في تسعينيات القرن الماضي بعد خروجه من بين الملفات الداخلية في دوائر التحليل المالي لكبرى الشركات العالمية مثل كوكا كولا وجنرال موتورز، ليصبح المعيار الأكثر دقيقة في قياس أداء الشركات في توليد الثروة لحملة الأسهم، وخلق القيمة.
وهو ببساطة، مقياس يصور ما يبقى لحملة الأسهم من ربح الشركة الصافي بعد اقتطاع تكلفة رأس المال المستثمر في الشركة، لذا يسمى الربح الاقتصادي. ويمكن أن نوضح المسألة بمثال بسيط، لنفترض أن أحد المصارف السورية حقق 50 مليون ليرة ربحاً صافياً، من توظيف رأسمال قدره 500 مليون ليرة، وهكذا تكون نسبة العائد على الاستثمار 10%، وهذا ما يسوق له المصرف ويطبل به.
ولكن، من جهة أخرى، قام المصرف بالاقتراض لدعم أنشطته التشغيلية (أصدر سندات مثلاً)، كما أن المساهمين الذين تخلوا عن أموالهم من أجل توظيفها في البنك يتوقعون الحصول على عائد محدد، ولنفترض أن تلك التكاليف (تكلفة رأس المال) تشكل 13% من رأس المال المستثمر.
النتيجة تكون أن المصرف «السعيد» بالـ10% تجاهل تكلفة رأس المال المتفوقة على العائد، وهذا أداء اقتصادي سلبي للمصرف، الذي ينبغي أن يحقق عائداً أكبر من 13% ليقال أنه مشروعاً يحقق قيمة اقتصادية مضافة للمساهمين.
فلو حقق المصرف ربحاً صافياً قدره 100 مليون ليرة، أي بعائد 20%، يكون الربح الاقتصادي المتحقق هو 70 مليون ليرة، وهي التي تشكل القيمة الحقيقية للمساهمين، وللاقتصاد. إذاً، حتى يكون المشروع ناجحاً يجب أن يحقق عائداً يفوق تكلفة رأس المال المستثمر، إن من المتوقع أن يحقق قيمة اقتصادية مضافة موجبة خلال فترة محددة.
وهذا هو المعيار الحقيقي الذي ينبغي على حملة الأسهم الاستعانة به، بعد الانتهاء من «قرمشة» المعايير الكلاسيكية، وربط (الإيفا) بأسعار الأسهم في السوق. فإذا كانت الشركة تحقق قيمة اقتصادية مضافة مهمة، أو من المتوقع تحقيقها خلال فترة محددة، لا يهم إن كان سعر السهم منخفضاً، بل تكون فرصة للشراء.
أما إذا كان الربح الاقتصادي للشركة سالباً، ومن غير المتوقع تغيير هذه الحالة في المستقبل، يصبح التخلي عن السهم من الحكمة.
وهكذا، يمكننا القول: إن (الإيفا) هو كلمة المرور (الباسوورد) للدخول إلى الواقع الحقيقي لأداء الشركات، وهو ما يجب على المستثمرين استخدامه لتوجيه قراراتهم الاستثمارية الحالية، وإعادة النظر في القرارات السابقة، في بورصة دمشق، كما في أي سوق أسهم أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق