السبت، 24 نوفمبر 2012


المضاربة في «السوداء».. مخاطر تلتهم العوائد 


الوطن- علي نزار الآغا:

استقر سعر صرف الدولار الأميركي عند مستوى 81.5 ليرة للشراء و82.5 للمبيع، بعد أن خسر بحدود الليرة منذ بدء المصرف التجاري السوري ببيع المواطنين مبالغ تصل حتى 5 آلاف دولار لكل من يرغب بتلبية حاجاته الشخصية، وبسعر 80.16 ليرة سورية.

أي إن تجار السوداء يسعون جهدهم لتحفيز المتعاملين الشراء من التجاري ثم إعادة البيع في السوق السوداء، ولكن الربح هذه المرة لا يتعدى 1.3 ليرة سورية في كل دولار، أي 1300 ليرة لكل ألف دولار، وبالتالي 6500 ليرة سورية للخمسة آلاف دولار «السقف الأعلى المسموح به رسمياً».
وهذا يعني حصول المضارب على ربح قدره 6500 ليرة جراء تدوير رأس مال يتجاوز 400 ألف ليرة، أي بعائد نسبته 1.6% شهرياً، وبحدود 19.2% سنوياً.
هنا يمكننا الحديث باتجاهين، الأول، فيما لو رأى البعض بأن هذه النسبة معقولة في ظل ظروف الأزمة، وما يرافقها من تعطل للاستثمار، نقول لهؤلاء، بأن المخاطر التي تكتنف نوع كهذا من المضاربات عالية جداً، ولا يتناسب مع العوائد المتوقعة.
ومن يفكر بهذه الطريقة، غفل عن فكرة أساسية، وهي أن المضاربات بناءاً على هذه النسبة من العائد تقتضي استقراراً في مستوى أسعار الصرف عند مستوى 80 ليرة، مع تقلبات محدودة النطاق.
ولكن في حال قام التجاري بتخفيض فجائي للدولار حتى 75 ليرة، مثلاُ، فإن سعر السوق السوداء سوف يلحق التجاري، بشكل تلقائي، حتى يخفض الصرافون كلفتهم - كلفة شراء الدولار- وحتى لو عمدوا إلى سحب السيولة الدولارية من التجاري، فإن كل متعامل اشترى عند 80 ليرة سورية سوف يتكبد خسارة كبيرة.
من جهة ثانية، سوف تشهد أسواق الصرف اضطرابات من جانبي العرض والطلب، أي إن الحركة باتجاه السوق السوداء سوف تكون باتجاه البيع فقط، لأن تجار السوداء يشترون بسعر أعلى من المصرف التجاري، على حين تكون الحركة باتجاه التجاري هي للشراء فقط، لأن التجاري يبيع بسعر أقل من سعر السوداء.
وهذه الاضطرابات لا يمكنها الاستمرار طويلاً، ففي النهاية، تجار السوداء سوف يعمدون إلى تسييل ولو أجزاء من مشترياتهم لتحقق الأرباح، وقد تكون هذه العملية شهرية، وهذا ما يقتضي انخفاض سعر المبيع، وبالتالي ستكون المخاطر مرتفعة جداً على التاجر والمتعامل، على حد سواء.
فالتاجر يصعب عليه البيع بسعر أعلى من السعر الذي اشترى به سابقاً، حيث يصعب عليه منافسة التجاري في البيع، فلو باع بمثله، سوف يلجأ الناس إلى التجاري حرصاً على رسمية التعاملات، وإن باع تاجر السوداء بأقل من التجاري، فسوف يتحمل خسارة، وهذا ما سيعطل فكرة التسييل لتحقيق الأرباح.
وهذه الاحتمالات ستقود في نهاية المطاف إلى تحرك السوق بحدود مضبوطة، تلقائياً، ما يذكرنا بفعل اليد الخفية في الأسوق، والتي تحدث عنها لأول مرة، آدم سميث (أبو الاقتصاد الكلاسيكي).
ولكن، لا يجب الاتكال إلى هذه الصورة، والارتياح حيال السوق، وذلك لأن العوامل المؤثرة في أسواق الصرف تتنوع بين المؤشرات الاقتصادية والسياسية وسياسات المركزي التدخلية، وبين مناخ المضاربة في السوق وسلوك التجار، والذين قد يسعون فقط لسحب الدولار ومراكمته، لذا رغم ضعف هذه الاحتمالات، لكنها موجودة، ويجب على القائمين على سياستنا النقدية الحذر الشديد حيال ذلك.
ومن باب التأكيد، فلو بادر تجار السوداء إلى رفع شراء الدولار بغية سحبه وتكديسه، وعمدوا إلى رفع الربح على كل دولار إلى 2 أو 3 ليرات سورية، فهذا لن يرفع العائد الشهري بأكثر من 3.7%، فيما لو استقرت الأسعار، ووقف التجاري مكتوف الأيدي.
كما أن هذه العوائد لا تقارن مع مستوى التضخم السائد في الاقتصاد حالياً، وغير القابل للمراقبة بشكل سريع ومباشر، لذا تبقى المضاربات في سوق الصرف محض مخاطرة، وخاصة لأصحاب الرساميل المحدودة.
فلعبة المضاربة بأسواق الصرف لا ينجح فيها سوى كبار التجار، أو حيتان السوق، ولا يخسر فيها سوى السمك الصغير والضعيف، كما أن أرباح الحيتان هي في النهاية مجموع خسائر المتعاملين الصغار وغير المحترفين.
وهنا أتذكر قول المفكر الاقتصادي كالسكي في حديثه عن الحلقة المفقودة بين ماركس وكينز، حيث قال:
«كسبة الأجور ينفقون ما يكسبون، والرأسماليون يكسبون ما ينفقون».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق