الأحد، 25 نوفمبر 2012


المجازفة برفع الفوائد تزيد إنكشاف المصارف

على المخاطر وتحاصر الربحية



الوطن- علي نزار الآغا:


شغلت خسائر المصارف العاملة في السوق السورية الحيز الأكبر من قلق المصرفيين، حيال مستقبل القطاع، الذي يحاول جاهداً الانتقال من مرحلة التأسيس إلى مرحلة النمو.
هذا القلق المبرر، دفع ببعض المصرفيين للحديث في كواليس المصارف عن مدى جدوى احتمالات رفع أسعار الفائدة على القروض، أي الفائدة على أصول المصارف، وكانت لنا فرصة المشاركة في بعض النقاشات الدائرة على بعض صفحات (الفيسبوك) الخاصة بموظفي المصارف والمختصين الماليين، الأمر الذي فرض أهمية للخوض في أبعاد وتفاصيل هذه المقترحات.

مما لاشك فيه أن الظروف الراهنة كان لها منعكسات على الاقتصاد الكلي تبينها مؤشرات مثل التضخم ونمو الناتج المحلي، وعلى الاقتصاد الجزئي، تتجلى بتراجع القدرة الشرائية والايفائية للمواطنين، ما شكل اضطرابات في جانبي العرض والطلب الكلي في الاقتصاد.
وهذا ما فرض واقع جديد أمام المصارف، تجلى بانكشافها أمام عدة أنواع من المخاطرة، أهمها، مخاطر العسر المالي (تعثر السداد)، ومخاطر سعر الفائدة، ما إثر سلباً على ربحية المصارف، وخاصة هامش ربح الفوائد، وعلى نحو يزداد خطورة من شهر لآخر.
لذا وجد بعض المصرفيين أن في رفع أسعار الفائدة على القروض احتمالاً لبديل جيد تتحوط به المصارف من مخاطر الفائدة على وجه الخصوص، وتقلص من خسارتها.
في الشكل العام قد يبدو هذا المقترح منطقياً، لكن بالتعمق نجد أن هذا المقترح لا يزيد الطين إلا بلة، ولن يقدم سوى رفع لمستوى مخاطر التعثر في السداد، ومن ثم رفع المستوى الكلي للمخاطر.
كما أن احتمال رفع أسعار الفائدة على القروض بأن يخفض خسائر، أو يحول المصارف إلى رابحة، هو أمر غير دقيق، وغير مضمون أبداً، لأن عمل هذه الآلية مرتبط بخصوصية كل مصرف من جهة تركيبة الميزانية، أي طبيعة محفظة أصول المصرف (وخاصة القروض) ومحفظة الالتزامات (الودائع كمصدر رئيسي لأموال المصرف).
وهنا نتعامل ما يسمى تقنياً بقياس الفجوة، أي الفرق بين الأصول الحساسة لتغير سعر الفائدة، والالتزامات الحساسة لسعر الفائدة.
وللتبسيط، لو كانت الفجوة سالبة، كما هو حال بعض المصارف اليوم، تكون التزامات المصرف (الإيداعات بشكل أساسي) الحساسة لتغير سعر الفائدة أكبر من أصوله (قروض) الحساسة لتغير سعر الفائدة، وهذا ما يؤذي ربحية المصارف.
لذا ينبغي على المصارف التحوط بسياسات مضادة للفجوة، أي ضبط هذه الفجوة، وهذا الأمر لا ينجح برفع أسعار الفائدة، حيث هناك عدة مقترحات غير ذلك تفيد في ضبط الفجوة، أو انكشاف المصارف لمخاطر سعر الفائدة، منها مثلاً مطابقة فترات الاستحقاق، واستخدام القروض ذات المعدلات المتغيرة.
وبشكل عام، تعتبر التزامات المصارف أكثر حساسية تجاه تغيرات أسعار الفائدة من الأصول، وهذا ما يفرض على المصارف التي تعاني من فجوة سالبة أن تعطي أهمية كبرى لأي زيادة في أسعار الفائدة، قد تؤثر سلباً على هامش صافي الفوائد لديها.
هذا وفي حال لجأت المصارف إلى رفع الفوائد على الأصول، سوف تزيد من الضغوط على العميل المستفيد من القرض، وهذا ما سيشكل ضغطاً إضافياً فوق تراجع مركزه المالي وقدرته الشرائية جراء التضخم وانخفاض قيمة الليرة، ما يعني ازدياد فرص التعثر عن السداد، أي زيادة مخاطر العسر المالي للمصارف، وهذا ما يزيد من خطورة الموقف، اعتباراً لظرف الاقتصاد العام للبلد، ولموقف دورة حياة المصارف.
فالمصارف اليوم إما في طور التأسيس، أو في طور الانتقال نحو مرحلة النمو، وهذا ما يفرض مخاطر كبرى على المصارف من جهة قبول خدماتها في السوق، وتوسع السوق، وتنافس المصارف على زيادة حصة كل منها من السوق، وهذا يقتضي الابتعاد عن أي نوع من أنواع المخاطر المالية.
فلو دخلت المخاطر المالية على الخط، سواء بزيادة معدلات الرفع المالي (الاعتماد على الديون) أو أي سوء في إدارة مخاطر السداد، سوف يضاعف من المخاطر التي تنكشف عليها المصارف، وهذا يطوق القطاع ومستقبله بالخطر.
إذاً، في النهاية، يفضل أن يقوم كل مصرف تقييم الفجوة لديه، ويقيس الحساسية الزمنية للأصول والالتزامات، ويعيد -في ضوء ذلك- التفكير في تركيبة الميزانية، والبحث على سياسات تحوطية مجدية.
ومن جهة الاقتصاد الكلي، فإن رفع أسعار الفائدة لا يقوض إلا النمو، ولا يزيد إلا البطالة، لكن القائمون على السياسة النقدية رأوا في رفع سعر الفائدة حلاً لمواجهة التضخم، والحد من المضاربة على العملات الأجنبية، ولضبط سعر صرف الليرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق