الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012




الدولار الصيني..

هل سيحق حلم أكبر منتج في العالم بعملة قابلة للتحويل؟


علي نزار الآغا:

لم يعد خافياً على أحد السعي المحموم لبكين لزيادة حصة عملمتها من التجارة الدولية والتي لا تتعدى 12% وهي اكبر المنتجين.

وتتزامن هذه المساعي الصينية لدعم دولية التعامل باليوان (الرينمبي)(1) والتي يراها الاقتصاديون المتغير الأبرز في الاقتصاد العالمي هذه الأيام، تتزامن مع جملة من التناقضات أصبحت سمة أساسية للاقتصاد الصيني -المغلق والساعي للانفتاح على العالم- في انتقال من مركزية خانقة إلى اقتصاد سوق.

وكان الرئيس التنفيذي لـ "شيلتر بورت" لإدارة الاستثمار ريتشارد هاريس قد كتب في الفاينانشال تايمز البريطانية في 25 من حزيران الماضي "الدولار الهونغ كونغي في طريقه إلى الرينمبي القابل للتحويل" مبيناً أن الصين تحرر عملتها على نحو بطيء جداً، لأجل الغرب، وبالتأكيد لأجل الصين التي تريد أن تحقق أكبر استفادة من الأزمة- تحرير اليوان- وتحويلها إلى "أزمة جيدة"، وذلك عبر دعم عملتها الحمراء (الرينمبي أو اليوان) على حساب الأخضر الأميركي، لذا الصينيين يجب أن يكون لديهم عملة قابلة للتحويل لتأخذ مكانها الطبيعي كعملة لأكبر اقتصاد في العالم، وهذا ما سيتم قريباً –على حد تعبيره-.
وغمز هاريس إلى موضوع قيمة اليوان والتي هي أكبر من قيمته الحالية، قد سلط الضوء على رفع قيمة اليوان 28% فقط خلال السنوات الـ18 الماضية وذلك لحدود 6.35 يوان لكل دولار أميركي.
ومن ذلك انطلق هاريس إلى توصيف حالة اللاتوازن في الاقتصاد الصيني الذي يحافظ احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية، رغم ذلك تبقى معدلات التضخم مرتفعة، تقوده ضغوط متزايدة في اقتصاد مغلق، فارتفاعات كبيرة في الأجور ونمو للطلب المحلي... الأمر الذي لن يحل بين يوم وليلة حتى لو تراجع صرافي الصادرات الصينية فوراً.
هذا الأمر دفع هاريس للاستنتاج بأن الصين تسلك الطريق ذاته الذي سلكته من قبل القوى الاقتصادية العظمى حتى نشأت، وهنا لايمكن أبداً مقاومة إعادة تقييم العملية، مستشهداً بمثال اليابان وعدم قدرتها على ضبط قيمة الين الذي ارتفع من 360 ين للدولار قبل التحرير إلى 87 اليوم (2). وقد رأى أن مشاكل الاقتصاد الياباني فيما بعد لم يكن سببها ارتفاع قيمة الين.
ولمساعدة تطور وضع العملة الصينية في التجارة الخارجية، قامت السلطات الصينية بإنشاء عملة جديدة أطلقت عليها اسم اليوان الصيني في هونغ كونغ (Chinese Yuan in Hong Kong) ويرمز له بـ (CNH) وهو غير قابل للاستبدال باليوان الصيني في الصين (Chinese Yuan in China) والذي يرمز له بـ(CNY) وحتى الآن العملتان قريبتان بالقيمة.
الدولار الهونغ كونغي (3) بحد ذاته وحدة نقدية ميتة، حيث ربط بالجنبيه الاسترليني أولاً ثم الدولار بمعدل صرف ثابت، ثم عوم لفترة محدودة نسبياً (1974-1983) ما أثار الخوف حول الدولار الهونغ كونغي (HKD) من المجهول –على حد تعبير الاقتصاديين-.
وأمام الحالتين، الصينية باليوان في هونغ كونغ وطموحها بعملة قابلة للتحويل، وحالة هونغ كونغ بدولارها الميت، يأتي الجواب –على الطريقة الصينية- بدمج الدولار الهونغ كونغي "الميت" مع اليوان الصيني في هونغ كونع الذي لايزال في المرحلة الجنينية، لينتج عملة مستقلة كلياً، معومة وغير قابلة للاستبدال باليوان الصيني.
هذا الدولار الصيني الجديد (HKD/CNH) سوف يسخدم في الفقات المالية لحساب رأس المال في ميزان المدفوعات الصيني (4)، بينما يستخدم اليوان الصيني في صفقات الحساب الجاري (الاستيراد والتصدير) (5).
ورأى هاريس أن هذا الحل سوف ينشأ وحدة نقدية بسيولة كافية لجعلها قابلة للاستثمار فوراً، وملاذاً آمناً مثل الين الياباني والفرنك السويسري.
فلو أخذنا تقديرات البنك الدولي، سنجد أن الدولار الصيني سيحظى بعرض نقدي (M2) (6) بحدود 830 مليار دولار، وهذا ما يجعله قريب من الفرنك السويسري مع عرض نقدي بحدود 940 مليار دولار.
ووصف اقتصاديون من بينهم ريتشار هاريس بأن هذا الحل الصيني بأنه: "حل لطيف على المستوى الدولي والصيني".
برأيي، سيتفق –ربما- أغلب الاقتصاديين على هذا الرأي، فبين مقارمة الصين لرفع قيمة اليوان  بغية لحفاظ على حصتها الكبرى من التجارة الدولية وإثبات وجودها كقوة اقتصادية عظمى من جهة، وإلححاح الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية -المدين الأكبر للصين- لتحرير اليوان من جهة أخرى، يأتي الدولار الصيني إلى جانب اليوان الصيني ليحقق الفائدة للطرفين، فالتجارة الخارجية ستبقى بالوحدة الصينية التقليدية (اليوان) بينما الاستثمار سيكون بالدولار الصيني الذي يخص الولايات المتحدة الأميركية كون الدين (سندات الخزانة الأميركية التي تملكها الصين) يندرج في بند حساب رأس المال في ميزان المدفوعات، أي سيقيم بالدولار الصيني، الذي سيشهد ارتفاعاً في قيمته بشكل مهم.
ويتوقع العديد من الاقتصادين أن قيمة الدولار الصيني سترتفع بصورة حادة، ويرتفع الطلب عليه بشكل كبير كونه سيصبح ملاذاً آمناً، تاركاً الاقتصاد الصيني المحلي خارج دائرة التأثر عليه إلى درجة كبيرة، ومع مرور الوقت ستقترب قيمة اليوان الصيني من الدولار الصيني على نحو كاف لدمجهما.
ومن الجدير ذكره أن الدولار الصيني سوف يدار من قبل مصرف هونغ كونغ المركزي، والذي يعتبر فرعاً لبنك الشعب الصيني (المركزي الصيني)، حيث يضمن المركزي الصيني جميع التزامات مصرف هونغ كونغ المركزي منذ عام 1997، بعد انتقال السلة من بريطانيا إلى الصين على الاقليم.


مفيد أن تعرف:


1.    الرينمبي هو الاسم الشائع للعملة الصينية، ويشبه استخدام لفظ الاسترليني للعملة البريطانية، بينما الوحدة النقدية للصين هي اليوان، ولبريطانيا الباوند. وأمام الدولار يبلغ سعر صرف اليوان 6.35 يوان للدولار.

2.    احتفظ الين بسعر صرف ثابت عند 360 ين للدولار، وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى تم تعويمه عام 1973، بعدها ارتفعت قيمة الين إلى 271 ين للدولار، ثم واصل ارتفاعه لبلوغه 79.5 دولار (وفق سعر الأمس).

3.    ربط الدولار الهونغ كونغي أولاً بالاسترلينين ثم في عام 1983 تم ربطه بالدولار الأميركي بمعدل ثابت، ثم تم تعويمه لفترة قصيرة نسبياً بين عامي 1974-1983 وهذا ما أثار القلق لدى الاقتصاديين حول هذه العملة، واليوم يترواح سعر صرف الدولار أمام الدولار الهونغ كونغي بين 7.7-7.8 دولار هونغ كونغي لكل دولار أميركي، في حين تتراوح قيمته أمام اليوان الصيني بين 0.81-0.83 يوان لكل دولار هونغ كونغي.

4.    الحساب الجاري هو جزء من ميزان المدفوعات في أي دولة، ويتكون من الميزان التجاري الذي يسجل صادرات الدولة ووارداته من السلع، وميزان الخدمات، أو السلع غير المنظورة، الذي يسحل صادرات ووادرات الخدمات، مع تجارة الخدمات تشكل 70% تقريباً من حجم التجارة الدولية.

5.    حساب رأس المال هو جزء رئيسي من ميزان المدفوعات، ويسجل الاستثمارات التي يقوم بها المقيمون في الدولة خارجها، والاستثمارات التي يقوم بها الأجانب في الدولة. وتدخل في هذا الحساب جميع العمليات التي تمثل تغيرا في مراكز الدائنية والمديونية للدولة لأن معاملات الدولة مع الخارج لا تقتصر على تجارة السلع والخدمات فقط ، بل هناك حركات رؤوس الأموال التي تنتقل من بلد إلى آخر ، و التي تنقسم إلى رؤوس الأموال الطويلة الأجل (لاتتجاوز السنة كالقروض الطويلة الأجلوالاستثمارات المباشرة، والأوراق المالية مثل الأسهم و السندات، أي بيعها وشرائها من وإلى الخارج)، ورؤوس الأموال القصيرة الأجل (لا تتجاوز السنة مثل الودائع المصرفية والعملات الأجنبية والأوراق المالية القصيرة الأجل ، والقروض القصيرة الأجل..)

6.    العرض النقدي (M2) ويسمى عرض النقد بالمفهوم الواسع  أو السيولة المحلية و يضم العملة في التداول خارج الجهاز المصرفي والودائع الجارية لدى البنوك والودائع الزمنية و ودائع الأدخار لدى البنوك التجارية .و يتأثر (M2) باصدار العملة وخلق الودائع من قبل الجهاز المصرفي والأختيار الذي تقوم به الوحدات الأقتصادية بين الأنفاق و الأدخار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق